فصل: باب صلاة الخوف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


 باب صلاة الخوف

- الحديث الأول‏:‏ روى ابن مسعود، أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ

- صلى صلاة الخوف على هذه الصفة ‏"‏يعني أنه جعل الناس طائفتين‏"‏‏:‏ طائفة‏:‏ خلفه‏.‏ وطائفة‏:‏ على وجه العدو، فصلى بتلك الطائفة ركعة وسجدتين، فلما رفع رأسه من السجدة الثانية مضت الطائفة التي خلفه، إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم ركعة وسجدتين، وتشهد، وسلم، ولم يسلموا، وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأولى، فصلوا ركعة وسجدتين، وُحدانان بغير قراءة، وتشهدوا، وسلموا، ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلوا ركعة وسجدتين، بقراءة، وتشهدوا وسلموا، قلت‏:‏ أخرجه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏[‏أبو داود‏:‏ في ‏"‏الخوف - في باب من قال‏:‏ يصلي بكل طائفة ركعة‏"‏ الخ‏:‏ ص 184، والطحاوي‏:‏ ص 184‏.‏‏]‏ عن خصيف الجزري عن أبي عبيدة عن عبد اللّه بن مسعود، قال‏:‏ صلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقاموا صفًا خلفه، وصفًا مستقبل العدو، فصلى بهم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ركعة، ثم جاء الآخرون، فقاموا في مقامهم، واستقبل هؤلاء العدو، فصلى بهم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ركعة، ثم سلم، فقام هؤلاء، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، انتهى‏.‏ ورواه البيهقي، وقال‏:‏ أبو عبيدة، لم يسمع من أبيه، وخصيف ليس بالقوي، ويمكن من أن يحمل عليه حديث ابن عمر، أخرجه الأئمة الستة في ‏"‏كتبهم‏"‏، واللفظ للبخاري ‏[‏البخاري في ‏"‏أبواب صلاة الخوف‏"‏ ص 128‏.‏‏]‏، قال‏:‏ غزوت مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قبل نجد، فوازينا العدو، فصاففنا لهم، فقام رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصلي لنا، فقامت طائفة معه تصلي، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بمن معه، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاءُوا، فركع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين، انتهى‏.‏ قال القرطبي في ‏"‏شرح مسلم‏"‏‏:‏ والفرق بين حديث ابن عمر‏.‏ وحديث ابن مسعود، أن في حديث ابن عمر، كان قضاؤهم في حالة واحدة، ويبقى الإِمام كالحارس وحده، وفي حديث ابن مسعود، كان قضاءهم متفرقًا على صفة صلاتهم، وقد تأول بعضهم حديث ابن عمر، على ما في حديث ابن مسعود، وبه أخذ أبو حنيفة‏.‏ وأصحابه، غير أبي يوسف، وهو نص أشهب، من أصحابنا، خلاف ما تأوله ابن حبيب، واللّه أعلم، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ وأبو يوسف، وإن أنكر شرعيتها في زماننا، فهو محجوج بما روينا‏.‏

قلت‏:‏ يشير إلى حديث ابن مسعود المتقدم، وهذا الاحتجاج فيه نظر، لأن أبا يوسف إنما ينكر شرعيتها بعد زمان النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وكون النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فعلها لا يرد عليه، لأنه يقول به، وتبع أبا يوسف في هذه المقالة المزني، ومستندهم خصوص الخطاب به عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة‏}‏ [النساء: 102] الآية، ولأن فيها أفعالًا منافية للصلاة، فيقتصر على مورد الخطاب، ودليل الجمهور وجوب الاتباع والتأسي بالنبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وقوله‏:‏ ‏"‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏"‏ والأفعال المنافية إنما هي لأجل الضرورة، وهي موجودة بعده عليه الصلاة والسلام، قلت‏:‏ قد وردت صلاة الخوف من قوله عليه الصلاة والسلام، لا من فعله، كما رواه البخاري في ‏"‏صحيحه ‏[‏البخاري في ‏"‏التفسير - في باب قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏فإِن خفتم فرجالًا أو ركبانًا‏}‏ [البقرة: 239] الآية‏"‏ ص 650 - ج 2‏.‏‏]‏ - في تفسير سورة البقرة - في باب قوله تعالى ‏{‏فان خفتم فرجالًا أو ركبانًا‏}‏‏ [البقرة: 239]"‏ حدثنا عبد اللّه بن يوسف أبا مالك، عن نافع أن عبد اللّه بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف، قال‏:‏ يتقدم الإِمام‏.‏ وطائفة من الناس، فيصلي بهم الإِمام ركعة، وتكون طائفة منهم، بينهم‏.‏ وبين العدو، لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة، استأخروا مكان الذين لم يصلوا، ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا، فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإِمام، وقد صلى ركعتين، فيقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة، بعد أن ينصرف الإِمام، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين، فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالًا قيامًا، على أقدامهم، أو ركبانًا، مستقبلي القبلة، أو غير مستقبليها، قال مالك‏:‏ قال نافع‏:‏ لا أرى عبد اللّه بن عمر ذكر ذلك، إلا عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ رواه الترمذي ‏[‏الترمذي في ‏"‏باب صلاة الخوف‏"‏ ص 74، وابن ماجه‏:‏ ص 90 - ج 3‏]‏‏.‏ وابن ماجه، قالا‏:‏ حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات بن جبير عن سهل ابن أبي حثمة، أنه قال في صلاة الخوف‏:‏ قال‏:‏ يقوم الإِمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة من قِبَل العدو، ووجوههم إلى العدو، فيركع بهم ركعة، ويركعون لأنفسهم ركعة، ويسجدون لأنفسهم سجدتين في مكانهم، ثم يذهبون إلى مقام أولئك، ويجيء أولئك، فيركع بهم ركعة، ويسجد بهم سجدتين، فهي له ثنتان، ولهم واحدة، ثم يركعون ركعة، ويسجدون سجدتين، قال محمد بن بشار‏:‏ سألت يحيى بن سعيد القطان عن هذا الحديث، فحدثني عن شعبة عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بمثل حديث يحيى ابن سعيد الأنصاري، قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح، لم يرفعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد، ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، انتهى‏.‏ وفيه أيضًا آثار‏:‏ منها‏:‏ ما رواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب من قال‏:‏ يصلي بكل طائفة ركعة‏"‏ الخ‏:‏ ص 184‏]‏ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد اللّه الأزدي، أخبرني أبي أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة - كابِل - فصلى بنا صلاة الخوف ‏"‏يعني بمثل حديث ابن مسعود‏"‏ ذكره عقيب حديث ابن مسعود، ينبغي أن ينظر في الآثار التي عن الصحابة الذين صلوا صلاة الخوف بعد النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، أو في زمانه ‏[‏روى أبو داود‏:‏ ص 184، أن عبد الرحمن بن سمرة صلى بكابل - صلاة الخوف - ، وروى الطحاوي‏.‏ ص 183، والنسائي‏.‏ وأبو داود‏.‏ وأحمد‏.‏ وغيرهم، أن سعيد ابن العاص، وحذيفة‏:‏ صليا بطبرستان - صلاة الخوف - وروى البيهقي في‏:‏ ص 252 - ج 3 عن أبي موسى، أنه صلى بأصبهان - صلاة الخوف - وعن علي أنه صلى المغرب - صلاة الخوف - ليلة الهرير‏]‏‏.‏

- الحديث الثاني‏:‏ روى

- أنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بطائفتين، ركعتين ركعتين، قلت‏:‏ أخرجه مسلم ‏[‏مسلم في ‏"‏صلاة الخوف‏"‏ ص 279‏.‏‏]‏ عن أبي سلمة عن جابر، قال‏:‏ أقبلنا على رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال‏:‏ كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ معلق بشجرة، فأخذه، فاخترطه، ثم قال لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ أتخافني‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ فمن يمنعك مني‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ اللّه يمنعني منك، قال‏:‏ فتهدده أصحاب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـن فأغمد السيف، وعلقه، قال‏:‏ ثم نودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال‏:‏ فكانت لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أربع ركعات وللقوم ركعتان، انتهى‏.‏ ولم يصل البخاري سنده به، فقال في ‏"‏كتاب المغازي ‏[‏البخاري‏:‏ ص 593‏.‏‏]‏ في غزوة ذات الرقاع‏"‏‏:‏ وقال أبان‏:‏ حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر، فذكره‏.‏ ووهم شيخنا علاء الدين مقلدًا لغيره، فقال‏:‏ أخرجاه ‏[‏وكذا وهم صاحب ‏"‏المشكاة‏"‏ حيث قال‏:‏ متفق عليه‏.‏‏]‏، وقد نص على ذلك الحميدي‏.‏ وعبد الحق في ‏"‏كتابيهما - الجمع بين الصحيحين‏"‏ مع أن البخاري وصل سنده به في مواضع، لكن ليس فيه قصة الصلاة، واللّه أعلم، قال شيخنا علاء الدين، عقيب ذكره حديث جابر هذا‏:‏ وللنسائي في رواية، كأنها كانت صلاة الظهر، وقال من قلده الشيخ‏:‏ ولأبي داود‏.‏ والنسائي أن الصلاة كانت صلاة الظهر، وهذا كله وهم، أما النسائي فإنه لم يذكر هذه الرواية أصلًا، لا في حديث جابر، ولا في حديث أبي بكرة، وأما أبو داود، فإنه لم يذكرها إلا في حديث أبي بكرة، واللّه أعلم‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه أبو داود ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب من قال‏:‏ يصلي بكل طائفة ركعتين‏"‏ ص 184، وقد تقدم الحديث‏:‏ ص 56 من هذا الجزء‏]‏ بسند صحيح عن الحسن عن أبي بكرة، قال‏:‏ صلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، في خوفٍ الظهر، فصف بعضهم خلفه، وبعضهم بإِزاء العدو، فصلى ركعتين، ثم سلم، وانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أربعًا، ولأصحابه ركعتين، انتهى‏.‏ وهذا هو حديث الكتاب، فإن فيه ذكر الظهر‏.‏

واعلم أن هذا الحديث صريح في أنه عليه الصلاة والسلام سلم من الركعتين، وحديث جابر ليس صريحًا، فلذلك حمله بعضهم على حديث أبي بكرة، ومنهم النووي ‏[‏قال النووي في ‏"‏شرح مسلم‏"‏ ص 279‏:‏ معناه صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وسلم، وسلموا، وبالثانية كذلك، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم متنفلًا، وهم مفترضون، اهـ، وقال الحافظ في ‏"‏التلخيص‏"‏ ص 140‏:‏ أورده الشافعي‏.‏ والنسائي‏.‏ وابن خزيمة عن طريق الحسن عن جابر، وفيه‏:‏ أنه سلم من الركعتين أوّلًا، ثم صلى ركعتين بالطائفة الأخرى، اهـ‏.‏ قلت‏:‏ تقدم‏:‏ ص 92 - ج 1 أن الحسن روى عن جابر أحاديث، ولم يسمع منه، اهـ، وروى الطحاوي في ‏"‏شرح اآثار‏"‏ ص 187 عن قتادة عن اليشكري عن جابر، وقال البخاري‏.‏ وابن معين‏:‏ إن قتادة لم يسمع من اليشكري، ومنهم ابن حزم في ‏"‏المحلى‏"‏ ص 226 - ج 4‏]‏، ومنهم من لم يحمله عليه، ومنهم القرطبي، وقال المنذري في ‏"‏مختصره‏"‏‏:‏ قال بعضهم‏:‏ كان النبي عليه السلام في غير حكم سفر، وهم مسافرون، وقال بعضهم‏:‏ هذا خاص بالنبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لفضيلة الصلاة خلفه، وقيل‏:‏ فيه دليل على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، ويعترض عليه بأنه لم يسلم من الفرض، كما في حديث جابر، وقيل‏:‏ إنه عليه السلام كان مخيرًا بين القصر والإِتمام في السفر‏.‏ فاختار الإِتمام، واختار لمن خلفه القصر، وقال بعضهم‏:‏ كان في حضر، ببطن نخلة، على باب المدينة، وكان خوف، فخرج منه محترسًا، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قد يتقوى هذا بحديث أخرجه البيهقي في ‏"‏المعرفة‏"‏ من طريق الشافعي، أخبرنا الثقة بن علية، أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف، ببطن نخلة ‏[‏بطن نخل - جمع نخلة - قرية قريبة من المدينة، موضعها على أربعة أميال من المدينة - ‏"‏وفاء الوفاء ص 261، فليراجع ‏"‏الفتح‏"‏ ص 325 - ج 7‏]‏، فصلى بطائفة ركعتين، ثم سلم، ثم جاءت طائفة أخرى، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، انتهى‏.‏ وأخرج الدارقطني عن عنبسة عن الحسن عن جابر أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان محاصرًا لبني محارب، فنودي بالصلاة، فذكر نحوه، والأول أصح، إلا أن فيه شائبة الانقطاع، فإن شيخ الشافعي مجهول، وأما الثاني‏:‏ ففيه عنبسة بن سعيد القطان الواسطي، ضعفه غير واحد، وقال غيره‏:‏ لم يحفظ عن النبي عليه السلام أنه صلى صلاة خوف قط في حضر، ولم يكن له حرب قط في حضر إلا يوم الخندق، ولم يكن آية الخوف نزلت بعد، واللّه أعلم‏.‏ ولما ذكر الطحاوي ‏[‏الطحاوي‏:‏ ص 186، وقال قبله بسطرين‏:‏ يجوز أن يكون النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاها كذلك، لأنه لم يكن في سفر يقصر في مثله الصلاة، وهكذا نقول إذا حضر العدو في مصر، اهـ‏.‏‏]‏ حديث أبي بكرة المذكور، قال‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك كان في وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل أول الإِسلام، حتى نهى عنه، ثم ذكر حديث ابن عمر، أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ نهى أن يصلى فريضة في يوم مرتين، قال‏:‏ والنهي لا يكون إلا بعد الإِباحة، واللّه أعلم‏.‏

- فائدة‏:‏ ذكر بعض الفقهاء أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى صلاة الخوف في عشرة مواضع، والذي استقر عند أهل السِّير‏.‏ والمغازي، أربعة مواضع‏:‏ ذات الرقاع‏.‏ وبطن نخل‏.‏ وعسفان‏.‏ وذى قَرَد، فحديث ذات الرقاع أخرجه البخاري‏.‏ ومسلم ‏[‏عند البخاري في ‏"‏غزوة ذات الرقاع‏"‏ ص 592 - ج 2، ومسلم‏:‏ ص 279، ولكن فيهما عمن صلى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأخرج البخاري فقط حديث سهل عن طريق آخر، دون طريق مالك عن يزيد‏.‏‏]‏ عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة، وفي لفظ للبخاري‏:‏ عمن صلى مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، أن طائفة صفت معه الحديث، وحديث بطن نخلة أخرجه النسائي ‏[‏النسائي في ‏"‏صلاة الخوف‏"‏ ص 230، والطحاوي‏:‏ ص 188، والطيالسي‏:‏ ص 240، وأحمد‏:‏ ص 374‏]‏ عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر، قال‏:‏ كنا مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بنخل، والعدو بيننا، وبين القبلة، الحديث، وحديث عسفان أخرجه أبو داود ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب صلاة الخوف‏"‏ ص 181، والنسائي في ‏"‏صلاة الخوف‏"‏ ص 231، والطحاوي‏:‏ ص 188، والبيهقي‏:‏ ص 256، وقال‏:‏ إسناده صحيح، وأحمد‏:‏ ص 59 - ج 4، وغيرهم‏.‏‏]‏‏.‏ والنسائي عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي، زيد ابن الصامت، قال‏:‏ كنا مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، الحديث، ورواه البيهقي في ‏"‏المعرفة‏"‏ بلفظ‏:‏ حدثنا أبو عياش، قال‏:‏ وفي هذا تصريح بسماع مجاهد من أبي عياش، وحديث ذي قَرَد ‏[‏قرد ‏"‏بفتح القاف والراء‏"‏ هو موضع على نحو يوم من المدينة، مما يلي بلاد غطفان ‏"‏فتح الباري‏"‏ ص 324 - ج 7‏.‏‏]‏ أخرجه النسائي ‏[‏النسائي في ‏"‏صلاة الخوف‏"‏ ص 328، والطحاوي ص 182، والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 335، وقال‏:‏ على شرطهما‏.‏‏]‏ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى بذي قَرَد، الحديث، وروى الواقدي ‏[‏قال البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ تعليقًا‏:‏ ص 592 - ج 2 عن جابر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى بأصحابه في - الخوف - في الغزوة السابعة ‏"‏غزوة ذات الرقاع‏"‏ اهـ‏.‏ وروى أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 348 - ج 3 عن جابر، قال‏:‏ غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ست مرار قبل - صلاة الخوف - ، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة، اهـ‏.‏ لكن فيه ابن لهيعة، وفيه كلام، وعند الطحاوي‏:‏ ص 188، والنسائي‏:‏ ص 231، والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 337 - ج 1، وغيرهم من حديث أبي عياش، أن القصر نزل بعسفان، وروى أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 522 - ج 2 من حديث أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نزل بين ضجنان‏.‏ وعسفان، وأن جبريل أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأمره أن يقسم أصحابه، الحديث، وروى الطحاوي‏:‏ ص 187 من حديث جابر، قال‏:‏ حتى إذا كنا بنخل، ثم ذكر قصة الصلاة، وقال‏:‏ ففي يومئذ أنزل اللّه عز وجل إقصار الصلاة، اهـ، قال في ‏"‏وفاء الوفاء‏"‏ ص 381 - ج 1‏:‏ حتى نزل نخلًا، وهي غزوة ذات الرقاع، اهـ‏]‏ في ‏"‏المغازي‏"‏ حدثني ربيعة بن عثمان عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد اللّه، قال‏:‏ قال‏:‏ أول ما صلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلاة الخوف، في غزوة ذات الرقاع، ثم صلاها بعدُ بعسفان بينهما أربع سنين، قال الواقدي‏:‏ وهذا عندنا أثبت من غيره، انتهى‏.‏

- الحديث الثالث‏:‏ روى

- أنه عليه السلام شغل عن أربع صلوات‏:‏ يوم الخندق، قلت‏:‏ تقدم في ‏"‏باب قضاء الفوائت‏"‏، والمصنف رحمه اللّه استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز القتال في حال الصلاة، فإن فعلوه بطلت صلاتهم‏.‏ قال‏:‏ لأنه عليه السلام شغل عن أربع صلوات يوم الأحزاب، ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها، قلت‏:‏ فيه نظر، لأن صلاة الخوف إنما شرعت بعد يوم الأحزاب، قال القرطبي، في ‏"‏شرح مسلم‏"‏، ومنع بعضهم من صلاة الخائفين، متى لم يتهيأ لهم أن يأتوا بها على وجهها، ويؤخروها إلى أن يتمكنوا من ذلك، واحتجوا بتأخير النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يوم الخندق، ولا حجة لهم فيه، لأن صلاة الخوف إنما شرعت بعد ذلك، انتهى‏.‏ وقال النووي ‏"‏في شرحه‏"‏‏:‏ قيل‏:‏ إنها شرعت في غزوة ذات الرقاع، وهي سنة خمس من الهجرة، وقيل‏:‏ إنها شرعت في غزوة بني النضير، وقد تقدم في طرق الحديث التصريح بأن صلاة يوم الأحزاب كانت قبل نزول صلاة الخوف‏.‏ رواه النسائي ‏[‏النسائي في ‏"‏باب الأذان للفائت من الصلوات‏"‏ ص 107 من حديث أبي سعيد، والطحاوي‏:‏ ص 190، والدارمي‏:‏ ص 188، وأحمد‏:‏ ص 25 - ج 3، و ص 49 - ج 3، و ص 68 - ج 3، والطيالسي‏:‏ ص 295‏]‏، ورواه ابن أبي شيبة‏.‏ وعبد الرزاق في ‏"‏مصنفيهما‏"‏‏.‏ والبيهقي في ‏"‏سننه‏"‏‏.‏ والدرامي في ‏"‏سننه‏"‏‏.‏ والشافعي‏.‏ وأبو يعلى الموصلي في ‏"‏مسنديهما‏"‏، كلهم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، قال‏:‏ حبسنا يوم الخندق، فذكره، إلى أن قال‏:‏ ذلك قبل أن ينزل ‏{‏فرجالًا أو ركبانًا‏}‏ [البقرة: 239] قال القاضي عياض في ‏"‏الشفا‏"‏‏:‏ والصحيح أن حديث الخندق كان قبل نزول الآية، فهي ناسخة، انتهى‏.‏